قصص وتجارب ملهمة

مرتضى: بين هويتي وتقاليد عائلتي
في زحام بغداد وصخبها، كان مرتضى يعيش عالمه الخاص. خلف نظاراته العريضة وسماعات الرأس التي دائمًا ما كانت تغطي أذنيه، كان يخفي جزءًا عزيزًا من هويته. كان يجد السلوان والراحة في التعبير عن نفسه بطرق قد لا يفهمها الكثيرون حوله. كان مرتضى يميل إلى الجماليات التي يعتبرها المجتمع تقليديًا "أنثوية"، لكنها كانت بالنسبة له مجرد تعبير صادق عن داخله.
في البيت، كانت الأمور مختلفة. كانت التقاليد العائلية العراقية راسخة وقوية. كان مفهوم "الرجولة" محددًا بصلابة، وأي خروج عنه كان يُنظر إليه باستغراب وربما رفض. كان مرتضى يستمع إلى أحاديث العائلة حول "شباب هذه الأيام" وتغيرهم، وكانت تلك الكلمات تزيد من خوفه وقلقه.
كان يراقب ابن عمه الأكبر، الذي كان يمثل كل ما هو متوقع من "الرجل" في نظر عائلته - قويًا، جادًا، ومهتمًا بأمور "رجولية" بحتة. كان مرتضى يشعر بأنه غريب، وكأنه ينتمي إلى عالم آخر. كان يحلم بأن يتمكن يومًا ما من التعبير عن نفسه بحرية أمام عائلته، لكنه كان يخشى أن يؤدي ذلك إلى شرخ عميق في الروابط الأسرية التي يعتز بها رغم كل شيء.
في إحدى الليالي الهادئة، بينما كانت العائلة مجتمعة حول مائدة العشاء، شعر مرتضى بضغط لا يحتمل. كانت نظرات والدته الحنونة وأحاديث والده عن المستقبل تزيد من شعوره بالذنب لأنه يخفي جزءًا كبيرًا من حياته عنهما. تجمد الطعام في فمه، وشعر بأن الكلمات عالقة في حلقه.
كان يعلم أن إخبارهم لن يكون سهلًا. كان يتوقع الصدمة، ربما الغضب، والأكيد هو عدم الفهم في البداية. لكنه كان يتوق أيضًا إلى الصدق، إلى أن يعرفوه على حقيقته. كان يعلم أن الطريق سيكون صعبًا ومليئًا بالتحديات، لكنه كان يأمل في بصيص من الأمل، في إمكانية أن يتقبله أهله يومًا ما كما هو، وأن يفهموا أن ميوله لم تكن اختيارًا بل جزءًا من هويته.
حسنين: صراع الاعتراف
كان قلب حسنين يخفق بعنف كلما فكر في الأمر. كيف سيخبرهم؟ كيف ستتقبل عائلته، تلك العائلة الشرقية المحافظة التي نشأ فيها، حقيقة أنه يجد نفسه أكثر ارتياحًا وسعادة في التعبير عن أنوثته؟ لطالما شعر حسنين بأن هناك جزءًا منه مخفيًا، جزءًا يتوق للخروج والتحرر، لكن الخوف من ردة فعل أقرب الناس إليه كان يكتم أنفاسه.
في كل مرة كان يحاول فيها فتح الموضوع، كانت الكلمات تخونه وتتبخر في الهواء. كان يرى في عيون والديه نظرة حب وقلق، وهذا ما كان يزيد من صعوبة الأمر. لم يكن يريد أن يكون سببًا في حزنهم أو خيبة أملهم. كان يتذكر دائمًا التعليقات العابرة التي كانوا يطلقونها على أي شيء يخرج عن المألوف، وكيف كانوا ينظرون إلى "هؤلاء الناس" نظرة تحمل الكثير من الاستغراب وربما الرفض.
كان حسنين يعيش في صراع دائم بين هويته الحقيقية ورغبته في نيل رضا وقبول عائلته. كان يقضي لياليه وحيدًا، دموعه تبلل وسادته، يتمنى لو كان الأمر مختلفًا، لو كان بإمكانه أن يكون على طبيعته دون أن يخسر حبهم. كان يرتدي ملابسه "الطبيعية" أمامهم، ويخفي ملابسه الأنثوية ومستحضرات التجميل في مكان سري في غرفته، وكأنه يمارس جريمة.
ازدادت وحدته وشعوره بالاغتراب. كان يبتعد تدريجيًا عن أصدقائه الذين بدأوا يلاحظون تغيره وانطوائه. لم يكن يستطيع أن يشاركهم سره، خوفًا من أن ينتشر الخبر ويصل إلى أهله بطريقة مؤذية. كان يحلم بيوم يستطيع فيه أن يكون صادقًا مع نفسه ومعهم، لكن هذا اليوم كان يبدو بعيد المنال، وكأنه سراب يختفي كلما اقترب منه.
في إحدى الليالي، اشتد به الأمر وشعر بأنه على وشك الانهيار. نظر إلى المرآة ورأى شخصًا حزينًا، شخصًا يرتدي قناعًا يخفي روحه الحقيقية. عندها، قرر أنه لا يمكنه الاستمرار في هذا الكذب، حتى لو كان الثمن هو الألم والرفض. لكن السؤال الذي كان يتردد في ذهنه بقوة: هل سيكون قادرًا على تحمل هذا الثمن؟ وهل سيجد في نهاية المطاف من يفهمه ويقبله كما هو؟
عن هذا الموقع
يهدف هذا الموقع إلى تسليط الضوء على حياة وتجارب الفيمبويز بطريقة محترمة وإيجابية. نسعى لتوفير مساحة آمنة لمشاركة القصص، زيادة الفهم، وتعزيز قبول التنوع في التعبير عن الهوية الجندرية.
نؤمن بأهمية كل قصة وبأن مشاركة التجارب تساهم في بناء جسور من التفاهم والاحترام المتبادل.
شارك قصتك أو تواصل معنا
إذا كنت ترغب في مشاركة تجربتك (مع الحفاظ على الخصوصية إذا أردت) أو لديك أي استفسارات.
تواصل عبر البريد